وكل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يلجئون إلى هذا الحصن المنيع عندما تحيط بهم المصائب والمحن وتتآمر عليهم قوى الشر والعدوان بالحديد والنار وأنواع التعذيب، ومنهم خاتمهم وإمامهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي ضرب المثل الأعلى في الاعتماد على ربه أمام أعدائه سادة قريش العتاة الذين اشتد غيظهم عليه وتألبوا ضده وعملوا بكل جهد وبكل وسيلة يطيقونها على أن يقبروه ليقبروا معه دعوته، وآذوه بكل أنواع الأذية باللسان تارة وباليد أخرى في مكان سنحت لهم الفرصة فيه حتى بيت الله الحرام.
ومع ذلك كله وقف - صلى الله عليه وسلم - أمامهم صامدا صمود الجبال الراسية أمام الأعاصير، لا يزيده آذاهم إلا صلابة وبقاء على مبدئه وعقيدته، وشجاعته نادرة إذ كان يسب آلهتهم ويسفه أحلامهم وعقول آبائهم، غير مبال ولا مكترث بما حصل ويحصل من الأذى الذي لا يطيقه إلا من رزق الاعتماد على الله، وتبعه على ذلك أصحابه رضي الله عنهم القلة المستضعفون الذين يطول ذكر بلائهم في سبيل الله دون أن يتزلزلوا أو تخور قواهم ليتراجعوا قيد شبر عن مبدئهم الذي آمنوا به.
قل لي بربك: لماذا كل ذلك؟
إنه وربي الاعتماد الكامل على خالقهم الذي سلموا له أنفسهم بقولهم (لا إله إلا الله) عن إيمان صادق به وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - اعتمدوا عليه واثقين من وفائه بوعده بنصرهم وخذلان أعدائهم، كما قال تعالى:{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} .
ولنأخذ بعض الآيات القرآنية في هذا الباب لنرى تكيف رسل الله عليهم الصلاة والسلام ولا سيما خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام بها.