فهو التوكل على حقيقته وهو: تفويض الأمور الدينية إلى الله تعالى، وتفويضها إليه يستلزم كلا من الاعتماد عليه لأنه أمر به والأخذ بالأسباب لأنه هو الذي جعلها أسبابا، وطلب هذا هو مقتضى التفويض الكامل يعتقد صاحبه أن هناك أسبابا يجب أن تعمل لتوجد مسبباتها، كما يعتقد أن الأسباب والمسببات جميعا تحت تصرف القدرة الإلهية إذا شاء الله للأسباب أن تؤثر في مسبباتها أثرت، وإن شاء أن يبطل ذلك التأثير أبطله، ويعتقد أن عليه أن يأخذ بالسبب دون أن يتلكأ ما دام يعرف أنه غير محظور مع الاستعانة بالله والاعتماد عليه ولا يعتقد أن السبب - مجردا - كفيل بوجود المسبب، ويتضح المراد من البحث السابق بأمور كثيرة نذكر منها ما يلي:
١ـ أن الله جعل الأكل سببا في إذهاب الجوع، وهو أمر لا يستطيع أن يكابر فيه أحد، ومع ذلك قد يوجد من يأكل ولا يشبع إذا ما أراد الله ذلك، وقد أنبأ من أثق به أنه يعرف شخصا كان يأكل طوال الليل والنهار إذا استطاع وأنه لا يشبع، فكون الأكل مذهبا للجوع يوجب الأخذ بالسبب، وكونه قد لا يذهبه يوجب الاعتماد على الله في إذهابه.
٢ـ وجعل الله الشرب سببا في إذهاب العطش، وهو أمر واضح كذلك، ومع ذلك قد يوجد من يشرب ولا يروى، كالإبل التي تصاب بداء الهيام، فكون الشرب مذهبا للعطش يوجب الأخذ بالسبب، وكونه قد يوجد من لا يذهب الشرب عطشه يوجب الاعتماد على الله.
٣ـ وجربت كثير من الأدوية لشفاء كثير من الأمراض، ومع ذلك قد يوجد من يداوي بتلك الأدوية لتلك الأمراض ولا يشفى، فكون الدواء مذهبا للداء يوجب الأخذ بالسبب، وكونه قد يوجد من لا يفيده ذلك يوجب الاعتماد على الله.