فقد حث في هذا الحديث على الأخذ بالأسباب عموما دينية كان أو دنيوية بقول:"احرص على ما ينفعك"، وقوله:"ولا تعجز"، كما حث على التوكل والاعتماد على الله بقوله:"واستعن بالله"، وقوله:"وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل"؛ فما ينفعك شر أن تسعى في حصوله وما يضرك شر أن تسعى في دفعه؛ فإذا بذلت جهدك ثم لم يحصل لك المطلوب ولم يندفع عنك المكروه فعندئذ يجب عليك التسليم والصبر على قدر الله، فلا تقل قبل السعي في ذلك: قدر الله وتتقاعس عن مصالحك؛ فإن هذا عجز وقد نهاك الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه ومن أين علمت أن ذلك قدر ولا دافع له، وما أدراك لعل النهاية تكون في صالحك، وأحب أن أضرب لك مثالين يوضحان المقصود:
الأول: لو فرضنا أن مقاتلا مسلما أصيب من قبل العدو بجروح خطيرة والإسعاف على أتم استعداد لمعالجته فامتنع من العلاج وقال: قدر الله علي الموت بهذه الجروح فهل يجوز له ذلك؟
أقول لا يجوز ذلك لأمور:
الأول: أن في ترك التداوي عندئذ تعريضا لتعذيب نفسه وازدياد آلامه وانبعاث الروائح الكريهة منه.
الثاني: أنه لا يدري عن تقدير الله فلعل أجله يكون طويلا أكثر مما يتصور فهو عجز منهي عنه.
الثالث: أن في معالجته عمل سبب قد يكون في صالح المسلمين في الوقت القريب ضد أعدائهم الكفار، ولو أخر التداوي طال وقت ضعفه الذي يمنعه من معاودة جهاد أعدائه.
المثال الثاني: لو فوجئ أهل بلدة ما بهجوم شديد من أعدائهم الكفار، فهل يجوز لهم: قدر الله ويستسلموا للعدو يستحل دماءهم ويستبيح أموالهم ونساءهم ويعيث في أرضهم الفساد؟
لاشك من له أدنى مسكة من عقل فضلا عن المسلم أن ذلك لا يجوز وأنه يجب أن يعمل أهل البلد بالأسباب المستطاعة ضد عدوهم فإن نصروا حمدوا الله وقد عملوا جهدهم، وإن هزموا فعند ذلك يقولوا: قدر الله وما شاء فعل.