واستشاط الكفار غضبا للبداية السيئة التي صادفتهم فأمطروا المسلمين وابلاً من سهامهم ثم حمي الوطيس، وتهاوت السيوف وتصايح المسلمون أحد أحدٌ. وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكسروا هجمات المشركين وهم يرابطون في مواقعهم وقال:"إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنّبل ولا تحملوا عليهم حتى تؤذنوا". فلما اتسع نطاق المعركة واقتربت من قمتها كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم وألحقوا بهم خسائر جسيمة. والنبي صلى الله عليه وسلم في عريشه يدعو الله سبحانه وتعالى، ويرقب بطولة رجاله وجلدهم قال ابن إسحاق:"خفق النبي خفقة في العريش ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع"[١٣] .
لقد انعقد الغبار فوق رءوس المقاتلين وهم بين كرٍّ وفرٍّ، جند الحق يستبسلون لنصرة الرحمن، وجند الباطل قد ملكهم الغرور، فأغراهم أن يغالبوا القدر.
فلا عجب إِذا نزلت ملائكة الخير تنفث في قلوب المسلمين روحَ اليقين وتحضهم على الثبات والإقدام.
وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكانه إِلى الناس فحرضهم قائلاً:"والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً إِلا أدخله الله الجنة". وأخذ الرسول- صلى الله عليه وسلم- حفنة من حصباء فرمى بها في وجوه القوم وقال:"شاهت الوجوه".
ثم قال لأصحابه:"شدُّوا"[١٤] , فشدُّوا فنزل قول الله تعالى:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}(الأنفال آية ١٧) .