للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لمشروع مهاجمة المدينة والقضاء على دولة التوحيد أنصار ودعاة. فأول الدعاة لهدم هذه المدينة المناضلة هم اليهود. ومن الغريب العجيب في غزوة الأحزاب أن اليهود وهم أهل كتاب منّزل تحالفوا مع قريش الوثنية على محاربة الرسول والقضاء على دعوته مع أنهم يعرفون صدقها ويجدون ذلك في كتابهم ولكنه الغل والحسد والتكبر. ويروى أن قريشا قالت: "يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم.. أخبرونا عما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ... أديننا خير أم دين محمد؟. فنحن نعمر البيت وننحر الإبل ضيافة ونسقي الحجيج ونعبد الأصنام "فماذا كان رد اليهود؟ قالوا: "لا اللهم أنتم أولى بالحق منه" فأنزل الله تعالى قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [٢] .

وتحصن المسلمون بالخندق الذي أشار بحفره سلمان الفارسي. رغم ما في مشروعه من الجهد والمشقة. وسلمت المدينة من الحصار؛ حصار الأحزاب للمدينة المنورة {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} وتفرقت الأحزاب, وانهار آخر أمل للكفار في القضاء على المدينة وسيادتها وزعامتها, بل ازدادت قوة ... ففي شعبان من السنة السادسة خرج الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف إِلى (دومة الجندل) أميراً على سبعمائة رجل، ويقال إِن الرسول صلى الله عليه وسلم نقض عمامته [٣] بيده الكريمة، وعممه بعمامة سوداء وأرخى له ذؤابة (عذبة) بين كتفيه منها ثم قال له: "هكذا فاعتم يا ابن عوف" وزوده بنصيحة، أو إن شئت بأمر فقال له: "اغزُ باسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، ولا تغُل ولا تغدر، ولا تقتل وليداً، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم".