وخرج ابن عوف مقلدا بعمامة الرسول مزودا بأمره متوكلا على ربه فلما بلغ الجيش (دومة الجندل) مكث عبد الرحمن بها يدعوهم إِلى الإسلام ثلاثة أيام, فأسلم ملكهم (الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة) فتزوج عبد الرحمن بابنته تماضر، تنفيذا لوصية الرسول له حين وجهه إليه, وأسلم بإسلام الأصبغ ناس كثيرون من قومه, وأقام من أقام على إعطاء الجزية التي كانت أقل من ضرائب الروم وإتاواتهم.
الفرس والروم
كانت القوى المسيطرة على شمال الجزيرة العربية في العراق والشام تتمثل في الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) وكان بينهما نزاع طويل حول السيطرة على الشام ومصر. وكان الفرس قد استولوا في الفترة بين (٦١٥- ٦٢٦ م) على بيت المقدس ومصر جميعا. مع ما لبيت المقدس من مركز مرموق في الدولة البيزنطية المسيحية، فكان استلاب الأماكن المقدسة المسيحية ضربة قاسية أثارت الروم. فأرسلوا عدة حملات استهدفت إعادة الأرض المقدسة ومصر إِلى أًقاليم وسيطرة الدولة. وبالفعل تمكن الإمبراطور هرقل الأول إمبراطور الروم (٦١٠- ٦٤١ م) من إِعادة مصر والشام إِلى الحكم البيزنطي.
وفي الوقت الذي ارتقبت فيه الدولتان فترة هدوء حقيقي تستردان فيها قوتهما، وتعيدان تعمير بلادهما بعد الصلح الذي تم بينهما في (٧ هـ/ ٦٢٨ م) وصل إلى كليهما رسول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعوهما إِلى الإسلام، ونبذ ما يعبدان من دون الله.
لم يكن العرب من قبل خطرا يهدد الدولتين وبخاصة أن أحلافا قد عقدت بين هاتين الدولتين والقبائل العربية المنتشرة في الشمال الشرقي والغربي للجزيرة العربية. ولم يكن يدور بخَلَد أي من الدولتين أن قبائل العرب المشتتة المتفرقة قد تتحد يوما، فضلا عن أن تصبح خطرا جديدا يعمل له حساب....