في هذا الوقت كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عمل على توحيد شبه الجزيرة العربية بعد فتح مكة ونزل قول الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} . ودانت أغلب قبائل الجزيرة العربية بالإسلام.
كان المسلمون يتحرقون شوقا إلى حمل رسالة السماء إلى أنحاء الأرض ولم يكن المنفذ الطبيعي للدعوة والمكان المرتقب للامتداد البشري للجزيرة العربية، إلا أرض هاتين الدولتين الفرس والروم في بلاد العراق والشام. وكان على هؤلاء المسلمين أن يقوموا في وجه أكبر قوتين حربيتين في العالم في ذلك الوقت، مع ما توافر لكل منهما من الخبرة الحربية والعدة والأموال الضخمة والبراعة العسكرية.
اتجهت حملات الرسول صلى الله عليه وسلم صوب القبائل العربية المتعاقدة مع الفرس والروم بهدف إِخضاع تلك القبائل وعرض الإسلام عليها، لعلها تحمل رسالة الإِسلام إلى ما وراءها من هذا العالم. فقد وجه الرسول قبل فتح مكة عدة غزوات في هذا الاتجاه، منها الحملة العسكرية ضد دومة الجندل التي أشرنا إليها. ثم غزوة مؤته [٤] التي لاقت جموعا كبيرة من الروم. وتحرف خالد بن الوليد فاستنقذ المسلمين من عدوهم وعاد بهم ظافرين. وغزوة ذات السلاسل [٥] التي استنفر فيها الرسول أصحابه نحو الشام لحرب قضاعة بأرض جذام، وجعل أمير جيش المسلمين عمرو بن العاص السهمي، وأمده بجيش جعل أميره أبا عبيدة بن الجراح ومعه كبار المهاجرين كأبي بكر وعمر وكبار الأنصار.
وقد حققت تلك الغزوات أهدافها من حيث إظهار القوة الإسلامية، وتمزيق الأحلاف مع غير الإسلام. كما أذاعت الإسلام على حدود دولتي الفرس والروم، وأجبرت القبائل التي بقيت على المسيحية على التعاقد مع الإسلام والخضوع لقوته.