علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعوا جيوشهم مرة أخرى على الحدود المتاخمة لجزيرة العربية. وقد اجتهد هرقل إمبراطور الروم المنتصر على الفرس بالأمس القريب، أن يجمع جيشا أراد به أن يتوج حياته بنصر كبير يحفظ للإمبراطورية البيزنطية هيبتها.
لم يكن أمام المسلمين اختيار بين السلم والحرب، وإنما فرضت الحرب نفسها عليهم وعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مواجهة جيوش الدولة البيزنطية والاصطدام معها, بل والانتصار لمعركة مؤتة والأخذ بثأر جعفر بن أبي طالب وشهداء الإسلام.
ولكن.. في أي ظروف اختار الرسول وقت المعركة.. لم ينتظر عليه السلم، خشية أن تهاجم جيوش الروم أرض الإسلام, فأسرع فأمر بتجهيز الجيش وأمر بالجهاد يقول ابن إسحاق:"كانت غزوة في زمن عسرة من الناس وجدب من البلادِ والناس في شدة"[٦] . وحين أمر بالجهاد كانت الثمار قد طابتْ فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص لأن السفر طويل ومرهق، والعدو قوي وله ماض في الحروب طويل.
المبادرة لأمر الرسول
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخروج لغزوة ورىَّ [٧] بغيرها، إلا في هذه المرة فإِنه ذكر أنه يعتزم إخضاع الروم ومنازلتهم. وما فعل ذلك إلا لقوة العدو، وبُعد الطريق، وبذل غاية القوة. فحضَّ عليه السلام على الجهاد ورغب فيه وبعث إلى قبائل الجزيرة وإلى مكة يستنفر أهلها على عدوهم، فوفد المسلمون يتسابقون إلى مرضاته وطاعته, وأمر بالصدقة وتجهيز الجيش. فحملت الصدقات الكثيرة إليه صلى الله عليه وسلم.