فأول من حمل صدقته أبو بكر الصديق جاء بماله كله: أربعة آلاف درهم وما أبقى لأهله شيئا وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر رضي الله عنه فقال: "ما استبقنا إلى خير إلا سبقني إليه"[٨] . وحمل العباس بن عبد المطلب تسعين ألف درهم, وعبد الرحمن بن عوف مائتي أوقية من الذهب, وجهز عثمان بن عفان ثلث الجيش, ثم جاء بألف دينار ففرغها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها ويقول:"ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم". وتبادر المسلمون في النفقة، حتى كان الرجل يأتي بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج، ويأتي أحدهم بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول:"هذا بينكما تعتقبانه"[٩] . وتبرعت النساء بكل ما قدرن عليه فكن يلقين في ثوب مبسوط بالمعاضد والخلاخل والخدمات والأقرطة والخواتيم [١٠] .
وأنفق صلى الله عليه وسلم كل ذلك على الجيش حتى فرغت النفقة، وجاءه رجال يطلبون منه أن يجهزهم للحرب، فاعتذر عن ذلك, والمشهور من بينهم سبعة رجال وهم من يقال لهم:(البكاؤون) , جاءوا يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة فقال لهم:"لا أجد ما أحملكم عليه"فتولوا يبكون قائلين: "ليس عندنا ما نتقوى به على الخروج ونحن نكره أن تفوتنا غزوة في سبيل الله".
ولقد حقق الله أملهم فحمل العباس رضي الله عنه رجلين، وحمل يامين بن عمرو ابن كعب رجلين منهم، فأعطاهما بعيرا يرتحلانه، وزود كل منهما صاعين من تمر, وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثة رجال [١١] .