وفي الوقت الذي يتبادر فيه المسلمون إلى تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بعض الأعراب يعتذرون، فلم يأذن لهم الرسول. وجاء المنافقون يستأذنون من غير علة فأذن لهم. وكان عبد الله بن أبيّ بن سلول قد عسكر وحده عند جبل ذباب [١٢] ، أسفل معسكر المسلمين عند ثَنية الوداع [١٣] فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه في طائفة من المنافقين وأهل الرِّيَب [١٤] . وأراد أن يوهن قلوب المؤمنين فرجع قائلا:"يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد، أيحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟ وقال: والله لكأني أنظر إلى أصحابه غدا مقرنين في الحبال"[١٥] .
خرج الرسول في رجب من السنة التاسعة للهجرة على طريق التصميم والجهاد وحوله المسلمون؛ ثلاثون ألف جندي وعشرة آلاف فرس اثنا عشر ألف بعير, وقيل عدد الجيش سبعون ألفا [١٦] . وأمر الرسول بأن لا يخرج رجل إلا ومعه دابة قوية ذلول. وحدث أن خرج رجل على بعير صعب القياد فعدا به فصرعه في الطريق، فقال الناس:"الشهيد.. الشهيد" فبعث الرسول مناديا ينادي "لا يدخل الجنة إلا مؤمن أو إِلا نفس مؤمنة، ولا يدخل الجنة عاص"[١٧] فمخالفة أمر الرسول عصيان ويحبط العمل. وفي الطريق إِلى تبوك جهد المسلمون جهدا شديدا، ولكنهم رأوا ما يثّبت قلوبهم على الحق، من علامات النبوة ورعاية الله سبحانه وتعالى لرسوله وللمجاهدين في سبيله، فقد تقَوَّل المنافقون على الرسول، فأظهره الله على مقالتهم وأعلمه ما يقولون.. وجمع الرسول بين الظهر والعصر. فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر ثم يجمع بينهما حتى رجع من تبوك [١٨] .