فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك جمع الناس فخطب فقال:"أيها الناس.. أما بعد.. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عواقبها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى". وختم بقوله:"ومن يصبر يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله، اللهم اغفر لي ولأمتي، اللهم اغفر لي ولأمتي، اللهم اغفر لي ولأمتي "(قالها ثلاثا) ثم قال: "استغفر الله لي ولكم"[٣٠] .
علم الروم بأمر هذا الجيش الذي خرج لمواجهتهم بقيادة الرسول الكريم وعلموا قوته وعدده وحماسته فآثروا الانسحاب إلى حمص، ورجعت قوة الحدود لتتحصن داخل بلاد الشام وحصونها.. وعرف الرسول بأمر الانسحاب، ونمى إليه ما أصابهم من خوف.. فلم ير محلا لتتبعهم داخل الشام.
وقد يكون الروم قد قصدوا أن لا يسيروا إلى المسلمين لقتالهم، لأن تبوك في الجنوب الأقصى من بلاد الشام, أو لأن هرقل إمبراطورهم اعتقد بأن النبي محمد رسول من الله حقا, وتُورد بعض الصادر الإسلامية أن هرقل أرسل رجلا من غسان لينظر في صفة النبي وعلامته [٣١] ، فجاء الرجل إلى النبي وهو في تبوك فوعى أشياء ذكرها لهرقل. ولذا لم يتحرك من موضعه لمقابلة جيش المسلمين الواصل إلى تبوك بقيادة الرسول نفسه.
أقام جيش العسرة المتعطش لمدافعة الأخطار الخارجية في تبوك: وهي مدينة على الطريق بين المدينة ودمشق على مسيرة اثني عشر يوما من المدينة. (الطرق الحديثة الحالية تبلغ ٦٨٦ كيلو مترا) وتقع على الحدود الشمالية للجزيرة العربية، وعلى حدود الإمبراطورية البيزنطية.