وهكذا استمر الأمر، نرى شيئا من الشعر التعليمي في هذا الموضع أو ذاك، حتى إذا جاء العصر العباسي، رأينا الشعراء ينظمون به في جملة موضوعات ومسائل علمية وتاريخية وقصصية إظهاراً للبراعة، ودلالة على قدرتهم على التجديد والابتكار، وتدليلاً على أنهم قد ألموا بمعارف العصر، وثقافات الأمم الأخرى التي نقلت إلى العربية.. وأنهم قد صاروا على شيء من هضم هذا الذي ترجم، فهم يسهمون بدورهم في نقله وإيصاله إلى الآخرين عن طريق هذا اللون من الشعر!.. ومن أوائل هؤلاء الشعراء الذين أخذوا من هذا الفن بطرف السيد الحميري (١٠٥- ١٧٣ هـ) الذي كان مفتوناً مغرماً بنظم القصص والمناقب والأخبار التي تروي عن علي وأبنائه. من ذلك ما يروى من أنه سمع محدثاً يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجداً، فركب الحسن والحسين على ظهره، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"نعم المطيّ مطيكما!.."فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولنعم الراكبان هما"!.. فانصرف السيد الحميري من فوره، فقال في ذلك:
وقد جلسا حجره يلعبان
أتى حسن والحسين النبي
وكانا لديه بذاك المكان
فغدّاهما، ثم حيّاهما
فنعم المطية والراكبان
فراحا وتحتهما عاتقاه
حَصان مطهّرة للحصان
وليدان أمّهما بَرَّة
فنعم الوليدان والوالدان [٢١]
وشيخهما ابن أبى طالب
ومن ذلك ما يروى من أن علياً كرم الله وجهه. عزم على الركوب، فلبس ثيابه وأراد لبس خفيه فلبس أحدهما، ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه، فانقض عقاب من السماء فأخذ الخف وحلّق به ثم ألقاه، فسقط منه أسود- ثعبان- وانساب فدخل جحراً، فلبس الخف، وحين سمع السيد ذلك قال في سرعة: