وذهبنا إلى النهر الذي يجري بين صفين من أشجار الغابة يحيطان به كما يحيط الغلاف بالكتاب وفي وسطه صخور منها ما يغطيه الماء ومنها العالي الذي لا يغطيه إلا عندما تغزر الأمطار وترتفع نسبة الماء, واشتقت عندما رأيت الماء الجاري الشديد الصفا أن أبلل رجلي فيه فأخذت أقفز، كافّا ثوبي، من صخرة إلى أخرى، وكان الشيخ عبد القوي ينظر إليّ عازما على الاقتداء بي، ووقعت رجلي على صخرة تطفو عليها الماء قد كساها الطحلب فسقطت في وسط النهر بملابسي فكان ذلك إنذاراً للشيخ عبد القوي الذي قفز إلى خارج النهر بعد أن كان قد استعد للقفز من على الصخرة إلى وسطه.
وبعد أن تمتعنا بتلك المناظر الطيبة والأصوات المطربة نقلنا أحد الأعضاء بسيارته إلى قرية مجاورة حيث استأجر لنا سيارة أخرى توصلنا إلى كوالالمبور ورجع هو إلى المكان لارتباطه.
وفي طريقنا إلى تلك القرية سألت عن شجر المطاط الموجود بكثرة لِمَ لم يقطعوه؟ وكنت أظن أن الشجر يقطع ويصنع منه المطاط, فأخبرت أن المطاط لا يصنع من نفس الأخشاب وإنما يصنع من سائل يخرج منه أبيض يشبه الحليب فوقفنا لنرى تلك المادة وكيف تستخلص، فرأينا أنه ينحت الخشب بقلع شيء من قشرة الخشبة ثم يعلق إناء في أسفل هذا النحت وفيه تنزل قطرات هذا السائل الأبيض تعلو هذا السائل قشطة مثل قشطة الحليب. قلت للشيخ عبد القوي: ألاَ تذوق شيئا من هذا الحليب؟ قال: أنت أولى به.
ولقد كانت هذه الجولة إلى هذه المنطقة (برطق) متعا مادية بمباهج الحياة الدنيا, ومعنوية بالمذاكرة العلمية واللقاء الأخوي الإيماني. وعندما ركبنا في سيارة الأجرة كان السائق يحاول الإسراع بصفة مخيفة ولكنه وافق أن اليوم يوم إجازة- يوم الأحد- وكان الشارع مزحوما فلم يجد بدا من التريث الإجباري.