وخلال النصف الثاني من القرن الجاري بلغ انقضاض الطواغيت على حرمات الإسلام أشده، وأسلم معظمهم أزمته إلى ألد أعداء الإسلام، حتى لم يعودوا يتحرجون من إعلان انصرافهم عن دين الله، باعتباره قد استنفد أغراضه، ولم يعد صالحا لأي عطاء ... ولم يكتف هؤلاء بمظلة الاستبداد والاحتماء بسلاح الأعداء، فسخروا لخدمة أفكارهم الضالة عددا غير قليل من حملة الأقلام، الذين أتقنوا فن الكلام، مع الجهل التام لحقائق الإسلام، وتوزعوا مهماتهم، ففريق يعلن الحرب على هذا الدين منكرا عليه كل خير، وناسبا إليه كل شر، وآخر يتزلف إلى جماهير المسلمين بارتداء مسوح الغيرة على الدين، فيهيب بالحكام أن يبعدوا الإسلام عن جراثيم السياسة، ويقصروه على مهمته الأساسية من تهذيب النفوس، وتنمية الأخلاق الفاضلة، وتطويع الجماهير لسلطان الحكام في كل أمر أو نهي يصدرونه، حتى ولو كان من ذلك أمرهم برفع الحجاب، وإلغاء الفوارق الطبيعية بين الجنسين، وتعطيل شريعة الله في الإرث، ومصادرة الأوقاف المحبوسة لبيوت الله، وحظرهم لتعدد الزوجات، ولو أدى ذلك الحظر إلى تكديس العوانس وشيوع الفحشاء، التي تصبح تحت سلطانهم عملا مباحا بحماية القانون..
وقد نسي هؤلاء- (الغُير) على كرامة الإسلام من لوثات السياسة- أن في رأس مهام الحكومة الإسلامية تطهير السياسة من جراثيم الفساد والكذب والخداع، وذلك برد الحكم إلى وضعه الصحيح حتى يكون أمير المسلمين خادما للأمة، وحارسا لأمنها وعزتها، وحتى يكون عماله بمثابة الآباء لمن هم تحت ولايتهم من المسلمين، يعلمونهم ويسددونهم إلى كل ما هو مصلحة لهم- كما أعلن ذلك ثاني الراشدين على ملأ من جماهير الحجيج.