ويشاء الله لبعض الطغاة، وهم في أوج قوتهم، أن يسلط عليهم بعض شركائهم فيخلعوهم، ويلقوا بهم في غيابات السجون، التي طالما شحنوها بالأبرياء ... فتكون فرصة لمراجعتهم ماضيهم، فلا يلبثون أن ينقلبوا عليه، إذ يجدون في خلوتهم القاهرة فسحةً للاتصال بكتاب ربهم يتلونه صباح مساء، فيشهدوا من آثاره وأسراره ما يردهم إلى الكثير من الخير، حتى إذا فرج الله كربهم فأفرج عنهم، غادروا سجونهم بنظر جديد وتصور ما كان ليخطر على بالهم، لولا هذه المحن المطهّرة، وإذا هم دعاة للإسلام، رافضون لكل ما سواه من أنظمة. وفي عبد السلام عارف من قبل، وفي ابن بلاّ هذه الأيام، خير مثال لهذه الحقيقة، التي تجلت في الكثيرين من الممارسين لتلك التجربة. ولكن المؤسف أن ردَّ الفعل هذا لم يقدَّر بعد لخطباء الفتنة من أصحاب الأقلام التي سخرها الشيطان لخدمة الطواغيت، ذلك لأنهم سرعان ما ينتقلون من موكب أحدهم إلى موكب خاصمه، فيستأنفون كفاحهم من جديد.. معتذرين عن ذبذبتهم بما يسميه أحدهم (عودة الوعي) !. ومن يدري فلعلهم لو جربوا محنة السجن لاستردوا في ظلماته وعيهم، ولعادوا إلى النتيجة نفسها التي انتهى إليها سادتهم التائبون وعلى هذا لا ندري ما الذي يجب علينا بالنسبة لهؤلاء الذين وقفوا أقلامهم على خدمة أنواع الطواغيت، سواء من الأفكار الهدامة، أو من المتسلطين الهدامين.. أندعو لهم بخلوة طويلة في سجون الظالمين تفتح لهم السبيل إلى توبة نصوح تكفر عنهم سيئاتهم؟، أم ندعو عليهم بدعوة نبي الله موسى {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} على أنا بدافع من الشفقة عليهم نؤثر لهم الحسنى، فنسأل الله لفهمي هويدى، وعبد العظيم رمضان، وإحسان عبد القدوس، وتوفيق الحكيم، وأحمد بهاء الدين، والباقوري، وسائر إخوانهم، من تلاميذ مدرسة علي عبد الرزاق، أن يرزقهم المحنة التي تطهرهم