وليت هؤلاء قد رزقوا حظا من الإنصاف، إذن لتذكروا جيدا أن الجيل الذي قاد ملاحم الفتح، فوصل ما بين الصين وأوروبة، تحت راية القرآن، إنما حقق ذلك بفضل التزامه منهجه الأعلى، حتى إذا انتهى الأمر بالأجيال التالية إلى التهاون بذلك المنهج غلبتهم الأهواء فتفرقوا شَذَر مذَر، وفقدوا ما أورثهم السلف الصالح من الأوطان والأمان.. وكفى بهذه التجربة برهانا على أنه لا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..
ثم ليس من عاقل يشك أن هؤلاء المتطوعين لتشكيك المسلمين في صلاحية شريعتهم الإلهية، على امتداد العالم الإسلامي، يدركون قدرة هذا الدين على الصمود بوجه كل التيارات الهدامة على اختلاف صورها وألبستها، إلا أنهم مصممون على الاستمرار في طرح وساوسهم، أملا في أن تترك آثارها في نفوس البسطاء من عامة المسلمين، فهم دائبون على قرع آذانهم بمكر الليل والنهار، على الرغم من صدمات الإخفاق التي ما انفكوا يواجهونها في أوساط الشعوب الإسلامية، التي لا تدع المطالبة بتطبيق شريعة الله كلما أتاح لها الطاغوت الحاكم فرصة التعبير عن إيمانها العريق. وقد تجلت هذه الحقيقة على أتمها في استفتاءين أجراهما أنور السادات فكان محصولهما وقوف ٩٠% بجانب الشريعة، ولكن هذه النتيجة ما لبثت أن لفها الصمت المريب؛ لأن المتسلطين على المسلمين لا يريدون حكم الله, الذي لن يكون مساعدا لحماة الفساد على البقاء في قمة السلطان..