والغريب الذي لا نجد له تعليلا هو جرأة أصحاب الأقلام المسمومة على قلب الحقائق والعبث بنتائج الأحداث.. فهذا أحمد بهاء الدين يعترف بقداسة القرآن العظيم ويصرح بأنه (نزل لكل زمان ومكان) ويعتبر تحكيمه أمنية مفضلة لديه.. بيد أنه في النهاية يقرر استحالة تطبيقه، وإذن فلا مندوحة للمسلمين من الانصراف عنه إلى أي نظام آخر سواه، ما دام المسلمون غير مؤهلين- بزعمه- للوصول إلى تفسير للقرآن يجمعون على قبوله.. فهو بذلك كالطبيب الذي يريد علاج الصداع بقطع رأس المريض، بدلا من البحث عن الدواء المناسب.
وما إخال مثقفا من أهل الإسلام يجهل قول الله تعالى في كتابه العزيز {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ، فهذه المحكمات هي المحددة لمقاصد الشريعة على الوجه الذي لا تتباين فيه أفهام الثقات من أولي العلم على الدهر {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وهي التي يتخبط فيها مرضى القلوب ابتغاء الفتنة، ويقف أمامها الراسخون موقف التسليم لحكمة الله، التي لا ينفك الفكر البشري يكشف منها كل يوم جديدا يضاعف إيمانهم واطمئنانهم. وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}(الكهف/ ١٠٩) .
ومن هذا المنطلق جاء اتساع مجال الرؤية فتباينت المدارك، وتعددت التفاسير دون أي تعارض، بل هو تباين الطاقة على مدى المكتشفات المجدِّدة للمعاني، تحقيقا لوعد الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت/ ٥٣) .