ثائيا: القرآن الكريم: وهو كلام الله، وكتابه الذي يخاطب به عباده، وهو المعجزة الخالدة التي تقوم شاهدا على أن (الإسلام) هو دين الله وخاتم الأديان، وهو حجة الله على عباده بإعجاز الخلق، إعجازا غير موقوف على فصحاء العرب ومن لف لفهم في الفصاحة والبيان؛ ولكنه إعجاز لا بد أن يتضح لكل إنسان ولو كان أعجمي اللسان، لتلزمه حجة الله إن أبى الإسلام، ابتداء من نزول القرآن وبعثة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وإلى أن تقوم الساعة، ويرث الله الأرض ومن عليها.
هذا النوع من النظر والتفكير يؤدي إلى نتيجة لازمة: أن لإعجاز القرآن نواحي غير الناحية البلاغية، وغير ناحية التنبؤات التي كانت غيبا حين نزل القرآن، ثم حققها الله فعلا فيما استقبل الناس من زمان.
الواقع أن موضوع إعجاز القرآن لا يزال بكراً برغم كل ما كتب فيه، لكني لست أريد أن أتناوله إلا من تلك الناحية التي لا يتوقف تقديرها والتسليم بها على معرفة لغة لا تتيسر معرفتها لكل أحد، هذه الناحية هي الناحية العلمية من الإعجاز.
فضلا عن ذلك فإن الإعجاز يشمل الناحية النفسية، إذ قد اقتاد القرآن النفس لردها إلى فطرتها. كما يشمل الإعجاز الناحية التشريعية، والتاريخية التي كشف عنها التنقيب الأثري فيما بعد. وكذلك شمل الإعجاز الناحية الكونية، لما فطر الله عليه الكائنات في الكون.
هذه النواحي هي التي ينبغي أن يشمر المسلمون للكشف عنها وإظهارها للناس في هذا العصر الحديث، ولن يستطيعوا ذلك على وجهه حتى يطلبوا العلوم كلها ليستعينوا بكل علم على تفهم ما اتصل به من آيات القرآن، واستظهار أسرار آياته التي اتصلت بالعلوم جميعا. ولا غرابة في أن يتصل القرآن بالعلوم كلها [١] .