هذا قليل من معطيات هذا الدين الحنيف، وقليل من نتائجه البارزة التي ظهرت على أيدي المسلمين الصادقين. ثم خلف من بعد هؤلاء خلف أضاعوا هذا الدين واتبعوا الأهواء والشهوات، وأقبلوا على الدنيا وتركوا أمر الآخرة وراءهم ظهريا. وغلب هذا على الكثير إلا الذين داموا على حبهم للدين وتمسكهم به، وقليل ما هم. فتغير حال المسلمين وانتشر بينهم التنافس على الدنيا والحرص على شهواتها فكان التنازع والاختلاف والشقاق والخصام والعداء، وتقطعت ذات البين، وظهر الخوف، وضاع الأمن، وضرب الله قلوب الناس بعضهم ببعض، وتفرق المسلمون شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون. وكان الضعف الشديد الذي تمكن منهم، واستطاع الكافرون أن يستغلوا هذا الضعف لمصلحتهم، وتمكنوا من أرض المسلمين وثرواتهم وتحكموا في رقابهم. وصار حال المسلمين على ما نرى الآن. فهم مستضعفون ومضطهدون ومعذبون في كثير من البلاد حتى في البلاد ذات الكثرة المسلمة، وما حال المسلمين في لبنان، وفلسطين، وأفغانستان، والفليبين، والاتحاد السوفيتي والدول التي تدور في فلكه، ما حال هؤلاء وغيرهم عنا ببعيد. والسبب الحقيقي وراء ذلك كله هو ضعف المسلمين عموما لإضاعتهم للدين وإقبالهم على الدنيا وشهواتها.
ولا يصلح حال المسلمين اليوم إلا بما صلح به حالهم بالأمس. إنهم لم تصلحهم الدنيا ولا شهواتها، ولكن أصلحهم هذا الدين. فإذا أراد المسلمون أن يتغير حالهم إلى أحسن حال وإذا أرادوا أن يعودوا إلى سابق عزهم ومجدهم وسعادتهم فالطريق واضح أمامهم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} .