وقد بلغت المؤامرات الثلاثية –بين اليهود والمنافقين والمشركين- ضد الدولة الإسلامية الناشئة ذروتها. وهذا الوضع استلزم اليقظة التامة من جانب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يعاملهم بغاية الصبر والحلم رجاء أن يستميلهم إلى الحق والسلم، وكان يواصل دعوته فيهم بالحكمة والموعظة الحسنة. وتظاهر اليهود في أول الأمر بالاشتراك مع أهل المدينة في الترحيب بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتزموا خطة المسالمة فترة من الزمان، وذلك على أمل أن هذا الداعية المتواضع الذي نزل على الأوس والخزرج الذين كانوا أعداءهم بالأمس ومواليهم اليوم، قد يساعدهم على قهر العرب واستعادة مملكة يهوذا [٣] . ولم يكد يمضي زمن قصير حتى عاودهم داء التمرد القديم الذي دفعهم إلى قتل أنبيائهم، وتجلت أعراض هذا الداء فيما جاهروا به من الفتنة، وما أسروه من الغدر والخيانة، فجاهروا المسلمين بالعداوة ومدوا يد المساعدة لقريش علنا، وما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم من الرفق وكرم المعاملة ما كان ليرضي اليهود، ولم تجد الحيل في إطفاء نار الحقد التي كانت تتأجج في صدورهم، وغاظهم أنهم عجزوا عن اتخاذه آلة في أيديهم لتهويد العرب، وأن الدين الذي جاء به أقرب إلى الفطرة من قصصهم التلمودية، فلم يلبثوا أن نقضوا العهد والميثاق وانضموا إلى أعداء الإسلام، ولما سألتهم قريش:"أديننا خير أم دين محمد؟ "قالوا: "بل دينكم خير من دينه"[٤] ، مع علمهم بكل ما ينطوي عليه دين قريش من شرك وخرافات ومساوئ.