وإذا أردنا أن نعرف دمى أثر هجرة الرسول إلى المدينة على تطور الدعوة الإسلامية وتدعيم دعائمها، وتوسيع نطاق نفوذها في أنحاء جزيرة العرب وخارجها، وجب علينا أن نتتبع مجرى الحوادث الهامة التي تبعت وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومنها حدوث الظروف التي أفضت إلى عقد المسلمين ومعاهدات واتفاقيات مع اليهود وقبائل العرب في المدينة، وفيما جاورها من المدن، وكذلك دخول المسلمين في حروب دفاعية مع أعدائهم وخاصة ما نتج عنها من انتصارهم في بدر، وكان للنتائج التي ترتبت على هذه المعاهدات. والانتصارات أثر عميق في نفوس المسلمين، ووقع كبير في أسماع العرب أجمعهم. من ذلك أن الوفود قد قدمت إلى المدينة لمقابلة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومبايعته بعد انتشار خبر دعوته في أرجاء الجزيرة. ومنها تكوين حلف منظم يجمع شمل العناصر المتنافرة الضاربة في المدينة وضواحيها، فوضع الرسول وثيقته التاريخية يبين فيها ما للمسلمين وما عليهم فيما بينهم، وما للمسلمين واليهود وما عليهم. وتظهر لنا هذه الوثيقة عظمته الحقيقية، وما حباه الله من مواهب، وهدفه المنشود في إنشاء مجتمع سليم ينتظم الجنس البشري كله. وكذلك سدد بهذه الوثيقة ضربه قاضية إلى الفوضى التي كانت سائدة بين قبائل العرب. وهذا بعض ما تضمنته تلك الوثيقة التاريخية التي أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ملزما بمحتواها كما أصبح اليهود ملزمين به كذلك:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي، بين المؤمنين والمسلمين من قريش، ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس". ثم يقول بعد أن عرض لتنظيم دفع الديات بين القبائل المختلفة وتقرير بعض القواعد الحكيمة بصدد ما يجب على المسلمين بعضهم نحو بعض: