قلنا: هو أن كل خبر لا يقبل من الفاسق، لم يقبل من مجهول الحال كالشهادة، ولأنا لو جوزنا قبول الأخبار ممن جهلت عدالته ويوجد ضمن هؤلاء المجهولين كثير من أهل البدع والأهواء لم يبق أحد من أهل البدع إلا روى ما يوافق بدعته، فتتسع البدع ويكثر الفساد وهذا لا يجوز.
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي شهد عنده الهلال:"أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ "قال: نعم، وأمر بالصوم، ولم يسأل عن عدالته.
والجواب هو أنه يحتمل أن يكون قد عرف عدالته فلم يسأل عنها [٣٠] .
قالوا: ولأن الأصل في المسلم العدالة، فوجب أن يحمل الأمر عليه.
قلنا: لا نسلم بل الأصل في الصبيان عدم العدالة لعلة التحصيل والعقل، وبعد البلوغ يحتمل أن يكون عدلا ويحتمل أن يكون فاسقا، فوجب التوقف فيه حتى نعلم باطن الحال.
ولأن هذا يبطل بالشهادة، فإنها لا تقبل من المجهول وإن كان الأصل في الناس العدالة فسقط ما قالوا [٣١]
وقال القرافي المالكي:"وقال أبو حنيفة يقبل قول المجهول، وخالفه الجمهور في ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "يحمل هذا العلم من خلف عدوله". فلولا أن العدالة شرط، لبطلت حكمة هذا الأمر فإن العدل وغيره سواء حينئذ. إلى أن قال: ولو نقل عن بعض قضاة الزمان أنه حكم بقول رجل ولم يذكر صفته حمل على أنه ثبتت عدالته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى لا سيما وهو يقول: "إذا شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا انسكوا"فتصريحه عليه الصلاة والسلام بالعدالة يأبى قبول المجهول"[٣٢] .
وقال ابن النجار الحنبلي:"لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الأكثر منهم الإمام أحمد رضي الله عنه وأصحابه والمالكية والشافعية".