والاستدلال لظاهر الرواية بأن الفسق سبب التثبت قال تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فإذا انتفى الفسق انتفى وجوب التثبت وانتفاؤه أي الفسق لا يتحقق إلا بالتزكية، ما لم ينتف الفسق تبقى شبهته وهي ملحقة بأصلها. وجعل الشارع الاستدلال لغير ظاهر الرواية ولا معنى له كما لا يخفى [٣٦] انتهى.
فالإمام أبو حنيفة في ظاهر الرواية يذهب مذهب الجمهور، والرواية الأخرى مرجوحة ومعلوم أنه إذا جاءت عن أبي حنيفة روايتان إحداهما في ظاهر الرواية والأخرى من طريق أخرى كانت طريق ظاهر الرواية هي المعتبرة عند الحنفية. ولذلك عاب أمير بادشاه الاستدلال لغير ظاهر الرواية؟! فقال:"لا معنى له؟! "على أن كثيرا من الحنفية يقتصر على ذكر الرواية المرجوحة؟ [٣٧] .
هذه آراء بعض الأصوليين من أتباع الأئمة الأربعة. وقد ذكر نحوا من ذلك كله أئمة علوم الحديث ورجح ابن حجر التوقف في أمر مستور الحال فقال:"والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال ويطلق القول بردها ولا بقبولها، بل هي موقوفة في استبانة حاله، كما جزم به إمام الحرمين، ونحوه قال ابن الصلاح فيمن جرح بجرح غير مفسر [٣٨] وقد ذكر المذاهب كلها الملا علي القارئ في شرح النخبة ثم قال: "ولو فرض فارض التباس حال الراوي واليأس عن البحث عنها بأن يروى مجهولا، ثم يدخل في غمار الناس ويعز العثور عليه فهي مسألة اجتهادية عندي.
والظاهر أن الأمر إذا انتهى إلى اليأس لم يجب الانكفاف، وانقلبت الإباحة كراهية. كذا ذكره السخاوي [٣٩]".
ولقد لخص لنا الأمير الصنعاني حكم رواية المجهول فقال: "قال المحدثون: في قبول رواية المجهول خلاف وهو أي المجهول على ثلاثة أقسام:
١_ مجهول العين.
٢_ ومجهول الحال ظاهرا وباطنا.
٢_ ومجهول الحال باطنا.
(١) الأول مجهول العين: وهو من لم يرو عنه إلا راو واحد.