ثم عدى هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة كالنحلة والزنبور والعنكبوت وأشباه ذلك، إذ الحكم يعم بعموم علته، وكان ذلك مفقودا فيما لا دم له سائل، انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته.... [١٥]
فمما سبق يتضح أن الذباب وأمثاله مما لا دم له سائل إذا وقع في الماء فإنه لا ينجسه على مذهب جمهور العلماء.
المسألة الثانية:
هي الأمر الطبي في هذا الحديث:
قلت: في هذا الحديث أمران من أعلام النبوة لم يكتشفهما المتقدمون من المسلمين وإنما اكتشفتا في العصر الحاضر.
الأولى: أن في الذباب داء لأمراض معينة ينقلها إلى الناس ممن كان عنده الاستعداد وبتقدير من الله تعالى وقضائه انتقل إليه ومن لا فلا.
الثانية: أن في الذباب دواء لتلك الأمراض التي يحمل أصولها، فإذا أتى الدواء الذي يحمله الذباب على الداء الذي يحمله قضى عليه بإذن الله ولم يصب الإنسان بأذى ما يحمل من الداء.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بهاتين المعجزتين قبل أن يكشف المجهر الذي يكبر ملايين المرات، ولا يعرف هذا إلا من مشكاة النبوة.
وإذا كان الطب الحديث قد أجمع على المسألة الأولى، وهي حمل الذباب الجراثيم، فإنه بدأ يسلم في المسألة الثانية أيضا، وإن كان لا يزال بعض المغرورين بالمادة لم يصدقوا ويسلموا بهذا الحديث، والحامل لهم - والعلم عند الله - الحقد والضغينة أن يسبق الإسلام العلم الحديث بأخبار علمية، باكتشافات حديثة، وكل هذا جهل والعياذ بالله.
قال الإمام الخطابي: تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له فقال وكيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب؟ وكيف يعلم ذلك من نفسه؟ حتى يقدم جناح الداء ويؤخر جناح الشفاء وما ألجأه إلى ذلك؟.