قال الخطابي: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، فإن كثيرا من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة وقد ألف الله بينها، وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان، وأن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها لأوان حاجتها، وأن تكسر الحبة بصفين لئلا تستنبت. لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحا وتؤخر آخر.
وقال ابن الجوزي: ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب، فإن النحلة تعسّل من أعلاها، وتلقي السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر.
وقبل ذكر ما قاله الطب قديما وحديثا عن الذباب لابد من ذكر بعض الأمور الهامة.
إن قدماء الصين كانوا يجعلون براغيث البقر سفوفا فتقوم مقام التطعيم ضد الجدري، إن لسع العقرب يداوى بجزء منها، وذلك بأن يوضع على موضع القرص جزء من العقرب مع قليل من الزيت - بطريقة خاصة - فيخف الألم ثم يزول.
ما اعتاده الهنود قديما حتى أيام قليلة من تعرضهم للأفاعي عنوة، اتقاء من قرص الأفعى وآلام سمه، فيكون بمثابة مناعة لهم.
إن النحلة تخرج من بطنها شرابا نافعا وهو العسل ويكمن في إبرتها السم الناقع، فكيف جمعت بين النقيضين.
يحضر لقاح من الأفاعي والحشرات السامة، يحقن به لديغ العقرب، أو الأفعى بل وينفع في تخفيف لآلم السرطان أيضا.
إن عالم الجراثيم والاكتشافات الحديثة فيه قلبت موازين الطب وغيرت كثيرا من الفرضيات والنظريات القديمة فيه، فقد استخرج من مواد مستقذرة أدوية حيوية قلبت فن المعالجة رأسا على عقب ((فالبنسلسن)) مثلا استخرج من طفيليات العفن ((والستربتومايسين)) من جراثيم تراب المقابر.