والخلاصة أن هاتين الآيتين وأمثالهما من الآيات تدل على وجوب رد الأمور المتنازع فيها مما لم يرد في فيه نص إلى نصوص القرآن والسنة. وذلك الرد يكون عن طريق الاجتهاد العقلي بقياس ما لا نص فيه على ما ورد فيه نص، إما على حالات معينة مخصوصة أو على روح الشريعة التي بينتها النصوص. وبذلك تتعدد وجوه الاجتهاد وتتعدد تسميات هذه الوجوه من قياس ومصالحِ.. الخ، وهذا العمل الاجتهادي لا يقوم به إلا العلماء من ذوي المستويات العلمية الخاصة. ثم على عامة المسلمين أن يرجعوا في أمورهم إلى علمائهم الثقات.
ولقد كان لبعض علماء الأصول رأي آخر في الاستدلال بهذه النصوص القرآنية الكريمة على جواز الاجتهاد العقلي في الشرع، ويتلخص هذا الرأي في أن هذه النصوص القرآنية التي أوردناها وأمثالها مما أورده بعض علماء الأصول للاستدلال في هذا المقام لا تدل دلالة صريحة قاطعة على هذا المعنى. وكذلك رأوا أن الأحاديث النبوية المروية في هذا المقام - والتي سنورد بعضا منها في الفقرات التالية- هي أحاديث آحاد وأنها معارضة بأحاديث أخرى تمنع الاجتهاد العقلي وعليه فدلالتها على جواز الاجتهاد في الشريعة ليست قاطعة، لذلك لجأوا إلى اعتماد إجماع الصحابة وحده ليدل على جواز الاجتهاد العقلي في الشريعة، ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم اعتمدوا على مستندات كثيرة، منها ما اندرس ولم ينقل إلينا اكتفاء بما علموه ضرورة، ومنها ما نقل ولكنه كان نقل آحاد، ومنها ما نقل تواتراً لكن ألفاظه تحتمل التأويل، ومنها قرائن أحوال يصعب وصفها ونقلها فلم تنقل إلينا، فكان تطبيقهم الاجماعي للاجتهاد دليلا قاطعا في جوازه [٣] .
دليل السنة على إرساء أصول الاجتهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: