لقد رويت أحاديث عديدة أوردها علماء الأصول لإثبات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الصحابة رضوان الله عنهم أن يجتهدوا رأيهم متى لم يجدوا نصا من قرآن أو سنة يوضح حكم الحادثة. وأنه صلى الله عليه وسلم ذكر تعليلات لأحكام شرعية عديدة مشيرا بذلك إلى أن أحكام الشريعة تشتمل على علل وحكم (جمع حكمة) هي بواعث التشريع وأهدافه. فما انكشف للعقل من تلك البواعث يمكن أن تقاس عليه الحالات التي لم ترد فيها نصوص. وفيما يلي نورد بعضا من تلك الشواهد السنية، ثم نبين وجوه دلالاتها، ونبدي الملاحظات المتعلقة بها.
أولاً: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل حين بعثه قاضيا على اليمن: "بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله. قال "فإن لم تجد؟ " قال: فبسنة رسول الله قال: "فإن لم تجد؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله".
ثانيا: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لابن مسعود: "اقض بالكتاب والسنة إذا وجدتهما فإن لم تجد الحكم فيهما أجتهد رأيك".
ثالثاً: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تعليله لأحكام عديدة. وهذا التعليل يشير إلى أن بعض الأحكام معقول المعنى من أجل فهم مقاصد الشرع والاسترشاد بذلك لإيجاد أحكام للحالات التي لم ترد فيها نصوص.
ومما ورد فيه تعليل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للحكم إباحته (صلى الله عليه وسلم) ادخار لحوم الأضاحي بعد أن كان قد نهى عن ذلك فقال: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة فادخروها".
وهناك نصوص كثيرة وردت من السنة تدل على إباحة استعمال العقل أو الرأي في الشريعة لاستنباط الأحكام عندما لا يوجد نص يحدد حكم الحالة المعنية.