فالسنة النبوية وإجماع المسلمين الذين دل على وجوب اتباعهما القرآن الكريم، قد دلا بدورهما على جواز الاجتهاد العقلي في الشرع فيما لم يرد فيه نص فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذاً إلى اليمن قاضياً أقره على أن يجتهد رأيه إذا لم يجد نصاً. وكذلك وجه صلى الله عليه وسلم ابن مسعود بأن يجتهد رأيه إذا لم يجد الحكم في الكتاب والسنة كما أوضحنا ذلك في الصفحات السابقة [٦] .
أما الصحابة رضوان الله عنهم فقد نقل عنهم الإجماع على العمل بمبدأ الاجتهاد العقلي. ونقلت عن كثير من أفرادهم أحكام شرعية متعددة اعتمدوا فيها على الاجتهاد. فقد نقل عنْهم عدم إنكارهم على من اجتهد منهم برأيه فيما لم يرد فيه نص. أما الاجتهاد الذي أنكروه فهو الاجتهاد المتعارض مع النصوص الثابتة أو الاجتهاد الصادر عن الجهل من الذين لا يفرقون بين ما ورد في حكمه نص وما لم يرد فيه نص.
ومن أمثلة عمل الصحابة رضي الله عنهم بالاجتهاد العقلي المبني على مبادئ الشريعة وأهدافها، اجتهادهم في تحديد مدلول قول من قال لزوجته:(أنت عليّ حرام) فقد قال أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) : إن مدلول هذا القول يمين تجب فيه كفارة اليمين. وقال علي وزيد (رضي الله عنهما) : هو طلاق ثلاث. وقال ابن مسعود (رضي الله عنه) هو طلقة واحدة. وقال ابن عباس وبعض من الصحابة: هو ظهار، وقالوا تجب فيه كفارة الظهار وتلزم فيه أحكامه.
وقد أجمع الصحابة (رضي الله عنهم) على عدم إنكار النظر في هذه المسألة بالاجتهاد لعدم ورود نص فيها.