ومن أمثلة اجتهادات الصحابة (رضي الله عنهم) العقلية ثم إجماعهم على الحكم الذي توصلوا إليه باجتهادهم التشريك بين الجدتين أم الأم وأم الأب في الميراث بعد أن كان أبو بكر قد ورث أم الأم وحدها وحرم أم الأب. فقال له بعض الأنصار لقد ورثت امرأة من ميت لو كانت هي الميتة لم يرثها، وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ورث جميع ما تركت، فرجع أبو بكر عن اجتهاده وشرك بين الجدتين في السدس [٧] .
فهذه الأدلة التي أوردناها من السنة وإجماع الصحابة والتي تدل على جواز العمل بالاجتهاد العقلي في الشريعة، هي في الواقع دلالة من القرآن الكريم نفسه على جواز العمل بالاجتهاد. فالقرآن الكريم دل على وجوب اتباع سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلى وجوب اتباع إجماع المسلمين، كما دلت السنة أيضا على وجوب اتباع الإجماع، وبناء على ذلك فما ثبت من أحكام شرعية عن طريق القياس ووجوه الاجتهاد الصحيحة الأخرى تعتبر أحكاما شرعية لا تخرج عن مضمون ما ورد في الكتاب الكريم. وبذلك يتضمن قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقوله تعالى: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يتضمن ذلك ما توصل إليه بالاجتهاد السليم من أحكام فقهيه. ولا يكون الاجتهاد القائم على الأسس الشرعية أمراً مخالفاً لكتاب الله كما زعم الزاعمون.