ولكن هنالك ملاحظة مهمة نشير إليها هنا إجمالاً وربما نعود عليها بالتفصيل إن شاء الله في مكان آخر من هذا البحث، تلك هي أن الاجتهاد العقلي في أحكام الشرع ليس وردا مشاعاً يرده كل من هب ودب. وليس ميداناً يستنسر فيه من يشاء ويطل من على جداره من يحبو على عتبات العلوم الشرعية. وليس قناة تلقين لمن يتطاولون بنتف العلوم ومختصرات الكتب. وليس الاجتهاد ميسراً لمن يعجز عن فهم كتب التراث فيصفها بالتعقيد والركة والغموض وقلة الفائدة ويصف المكتبة الإسلامية بأنها خالية! فمن لم يفهم القديم فلا جديد له. ولا يقوم البناء من غير أساس. وليس الاجتهاد في الشريعة من الأمور التي يمكن أن يقوم بها من يحمل ثقافة عامة أو تخصصاً في العلوم التطبيقية فحسب أو تخصصاً في القوانين الوضعية فحسب أو يحمل ثقافة إعلامية فحسب كما يظن البعض.
إنما الاجتهاد في الشرع أمر شرعي يتطلب عقيدة سليمة وأمانة إسلامية ومعرفة بالقرآن والسنة وبلغة القرآن ومعرفة بالتراث الأصولي والفقهي وما يتصل بهما ذلك التراث الذي خلفه لنا السلف الذين نقلوا لنا القرآن والسنة ونقلوا لنا تفسيراتهما. والاجتهاد يتطلب إدراكا لمبادئ الشرع وأهدافه ويتطلب وعْيا تاما حتى لا تفوت عليه شاردة كما يتطلب الاجتهاد إحاطة بوسائل وأدوات لابد منها لممارسته فليس الاجتهاد أمراً عقلياً مطلقاً كما يظن بعض من لا يعلمون.