وقد حرصت الأمة الإسلامية على استقرار الحياة والعمران في المدينة المنورة، ومنع نشوب الحروب الداخلية، وأوجبت تحكيم الرسول في كل ما يشجر من خلاف، والتسليم بما يقضى به، وتطبيق مبدأ العقاب بالمثل فالنفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص تنفيذاً لأمر الله عز وجل الذي جاء في سورة المائدة، مما ساعد على أستتاب الأمن والسلام في منطقة المدينة المنورة.
كما أوجبت الصحيفة على أهل المدينة جميعاً أن يتحدوا لصد أي عدوان يتهدد المدينة من خارجها، فتكامل بذلك نظام الأمة، وصارت الهجرة إلى المدينة شرطاً للحصول على رعاية الدولة الإسلامية، تطبيقاً لقول الله تعالى في سورة الأنفال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} .
٥- حماية المدينة من الغزو الخارجي والتمرد الداخلي:
أما الخصيصة الخامسة من خصائص العمران في المدن الإسلامية فهي حمايتها من الغزو الخارجي والتمرد الداخلي. وقد ظهرت هذه الخصيصة في الدولة الإسلامية منذ قيامها في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن وجدت فيها أداة للحكم وضم إليها ما حولها من القبائل ومن المناطق الزراعية التي تمدها بالمؤن، فقد وجه الرسول – صلى الله عليه وسلم- سرايا عديدة من المدينة إلى ما حولها، وكانت السرايا حملات حربية صغيرة تهدف إلى تأمين الحدود واستكشاف ما حول المدينة، ورد أي عدو مجاور، وكان عدد هذه السرايا ثماني سرايا، أرسلت قبل غزوة بدر، وقاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعضها بنفسه، وقاد أَصحابه البعض الآخر.