كان لزاما أن أمضي قدما في الطريق الذي اختاره الله لي, وهداني إليه, وان أتنكب هؤلاء الناس: هؤلاء الشباب الذين يجوبون الشوارع تصيداً للفتيات, وبحثاً عن السوءى, ويقضون لياليهم في دور الخيالة والملاهي عابثين معربدين, أو على المقاهي يتساقون ما لذ وطاب من ألوان الشراب, يمضون الأحاديث الماجنة, ويتثاءبون من فراغ وكسل, ثم يهربون كما تهرب الفئران إلى جحورها كلما سمعوا هدير طائرة, أو دوي مدفع, أو طلقات رصاص.
شكراً لله رب العالمين الذي لم يعجل لي بالزواج, فأصبح ذا بنات وبنين, أتعلل بالسعي عليهم, والكسب لهم, والخوف على مستقبلهم من اليتم والفقر والضياع, كأنما اطلعت على الغيب, أو اتخذت عند الرحمن عهداً.
أحمدك يا إلهي حمداً كثيراً أن لم تجعلني ذرب اللسان, واسع الحيلة, ذا خلابة أخدع الناس بما أتلمس من معاذير, وأدلس في العلل, لأنجو من أداء الحقوق, وألقي عن كاهلي أثقال الواجبات.
لقد وضعت أصابعي العشر في آذاني وأنا أمر بأولئك الذين يثبطون العزائم صائحين! أنريق الدماء, ونكدس الجثث, لتكون منابر المجد لفلان وفلان؟! أنضحي بحياتنا في سبيل أناس لا يستحقون الحياة؟! مررت بهم وأنا أقول: إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى.
أمّاه:
إذا كان في الناس من يقاتلون من وراء مبادئ حزبية, أو زعامات سياسية, فلست منهم في شئ, لست قنبلة من هذه القنابل التي يطلقها أناس آمنون وراء الجدران راتعون في لذات النعيم.
لم يستخفني إلي الموت سراب مجد, ولا أماني الشهرة, ولا ضلالة عمياء من هذه الضلالات التي يتيه في ظلماتها شباب الضياع, وإنما هو الجهاد, أسير في طريقه, ولا أبتغي به غير الله, ولكل امرئ ما نوى.