للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبينا هم نائمون أتاها أمر ربك فأصبحت كالرماد الأسود أو الليل البهيم، وأصبحوا ينادي بعضهم بعضاً أن اغدوا على جنتكم إن كنتم عازمين على قطافها، وكانوا يخافتون في أصواتهم وهم يقولون لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، كانوا يخافتون خشية أن يسمعهم مسكين أو يحس بهم أحد.

غدوا على جنتهم وهم يظنون في أنفسهم أنهم قادرون على قطافها وعلى منع المساكين من خيراتها، حتى إذا جاءوها ورأوها سوداء لاتحمل الثمر ولا تلبس الورق الأخضر أنكروها أول وهلة، وقالوا لقد ضللنا الطريق إليها، فهذه ليست جنتنا، ثم يتبين لهم أنها هي وأنها قد أصابها من أمر الله ما أصابها، ويثوب إليهم ما كان قد ضل عنهم من صواب ويقولون بل نحن الذين حرمنا خيراتها جزاء غفلتنا عن ذكر الله وعن امتثال ما أمر به من مواساة المساكين.

فقال أرجحهم عقلاً وأفضلهم رأياً ألم أقل لكم لولا تسبحون، قال ذلك تأنيباً لهم وتوبيخاً على تركهم ما كان حضهم عليه من قبل من ذكر الله وتنزيهه عن السوء، ولو ذكروا الله وذكروا إحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين، ولا قتفوا سنة أبيهم في ذلك، فلما غفلوا عن ذكر الله سبحانه وتعالى وعزموا على منع المساكين ابتلاهم الله فأحرق جنتهم وحرمهم ثمارها.

ولما أنّبهم أوسطهم رجعوا إلى ذكر الله تعالى، وأقروا بأنهم كانوا ظالمين، وأخذ بعضهم يلوم بعضاً، فقد كان منهم من زيّن، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف، ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت راضياً، ثم اعترفوا بأنهم كانوا طاغين، وأخذوا يطلبون من الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنهم، وأن يبدلهم بهذه الجنة خيراً منها ويقولون إنا إلى ربنا راغبون في أن يجيب رجاءنا، وألاّ يخيّب آمالنا، فقد تبنا إليه ونسأله الغفران والرحمة.