وثالثها موقف الخليل مع ربه:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} ، وكان الخليل لم يكتف في إيمانه بعلم اليقين فأراد الوصول به إلى عين اليقين. فكان كمن عرضت له شبهة في ظاهرة الحياة كيف تكون، وما كان أبداً من أهل الظنون أو الفتون بل سؤاله دال صراحة على صدق إيمانه بقدرة ربه إذا قال:{أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} ، ولم يقل كيف تقدر على إحياء الموتى. وأجابه الله وليه ومولاه. وأراه من مظاهر قدرته ما طمأن قلبه، ودفعه إلى مقام عين اليقين. وسلام على إبراهيم في المرسلين، وكذلك يجزي الله المحسنين.
ووجه العبرة من هذا أيها الإخوة المسلمون أن العبد متى حقق ولايته لله بإيمانه الصادق، وتقواه لله، وتجرد لدعوة الخلق إلى الخالق ليعبدوا ربهم ويوحدوه ويسلموا له قلوبهم ووجوههم ويطيعوه. متى كان العبد هكذا لن يعدم من الله تعالى نصره ولا تأييده، ولا إرشاده، ولا توفيقه، إن تصدى له مبطل نصره عليه وهزمه بين يديه، وإن عرضت له شبهة كشفها له وأعقبه نوراً في قلبه، إن واجهته مشكلة ومهما كانت صعبة أو عويصة وفقه لحلها، وأخرجه منها معافى سليماً، وعزيزاً كريماً. والحمد لله ولي المؤمنين، ومنزل الكتاب ومتولي الصالحين هذا وأما الأنفال التي كانت مثار النزاع، والتي اقتضت مصلحة الجماعة المؤمنة في حكم الله وليهم ومتوليهم أن يرد شأنها إلى الله ورسوله، فيحكم الله فيها بما يريد. ولن يريد إلا الحق والخير ويقسمها الرسول حسب أمر ربه ووحيه إليه. فإن قول المفسرين فيها مختلف غير أن المعنى لا يخطئ.