أما التقوى فإن عليها مدار كل إصلاح يراد للفرد أو للجماعة، وبدونها لا يتحقق أي خير أو إصلاح أبداً، ومن هنا قدم الأمر بها على غيرها، وكانت هذه الآية وصيه الله الثابتة لهذه الأمة المسلمة، ولمن سبقها من أهل الكتاب قال تعالى في سورة النساء:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} .
ومعنى التقوى العام: خشية الله تعالى المالئة للقلب، المسخرة لجوارح العبد في طاعة الرب تبارك وتعالى فعلاً وتركاً. وقد تطلق ويراد بها معنىً خاص، فتكون في كل مقام بحسبه، ومن ذلك أنها هنا بمعنى توقي سنة الله تعالى في الإقبال على الدنيا، والتنافس فيها، والجري وراء حطامها الفاني، وما يجر ذلك من تحاسد وتقاطع، وخلاف يفضي بالجماعة إلى الهلاك والدمار.
وأما إصلاح ذات البين وبعد إصابتها بما أفسدها من الخلاف والنفرة، فإن الأمر به من أوجب الواجبات وألزم اللازمات، إذ لو يسمح لمرض الخلاف أن ينتشر في صفوف الجماعة، ولداء الحسد والبغضاء أن يستشري في جسمها. لأودى قطعاً بحياتها، وأفضى بها إلى هلاك محتم، وخسران مبين ومن هنا أمر الله تعالى الجماعة المسلمة على الفور ولأول خلاف بدر منها أمرها بإصلاح ذات بينها، وإحلال الوئام بين أفرادها محل الخلاف، والود والصفاء محل العداوة والبغضاء.