للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الآيات البينات دلتنا على أن النبي الكريم كان أخوف الناس أجمعين لله العظيم، بل لقد وصَفَ صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك في حديثه للذين أرادوا أن يتخذوا الرهبانية منهجاً حين قال لهم: "إني لأتقاكم لله، وأخوفكم له" وفي رواية "إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي" [١] .

ولنسمع إلى رَغَبِهِ صلى الله عليه وسلم إلى ربه حتى تكتمل الحقيقة أمامنا، ذلكم أن الله قد مَدح نبيه الكريمَ بالرغب إليه والرهب منه، وما دمنا قد أسلفنا حديثَ الرهب فلنصْغ إلى حديث الرغب، وذلك في قول الله تعالى أمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} ٧، ٨: الانشراح.

والمؤمنون أيضاً ممدوحون بالرغبة إلى الله:

وكما أمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالرغبة إليه، وامتدح عبده زكريا وله عليهم السلام بهذه الصفة الكريمة، فكذلك أثنى الله على التائبين المذكورين في سورة القلم بهذه الصفةِ، وذلك في قوله سبحانه: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} ٣٢: القلم.

كما بين سبحانه أن هذه الصفة يجب أن يتصف بها من أراد أن يسلك سبيل المهتدين الراشدين، وذلك ما ورد في قول الله سبحانه وتعالى: { ... وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ٥٩: التوبة.

- ولسائلِ أن يسأله فيقول: حدثتنا عن الرغب، فهلا عرفتنا بمعناه في لغة العرب؟ ونقول له هذا سؤال يسير الطلب، فالرغب والرغبى- بفتح الراء أو ضمها- والرغباء والرغبة- بفتح الراء أو ضمها أيضا- والرغبوت: كلماتٌ متقاربات المعنى تدل على توسع في الإرادة، وعلى حرص على نيل مطلوب، وقصارى القول إن الرغبة إلى الله سَعي إلى عطائه، وحرْصٌ على رضائه، وضراعة إليه لنيل جنته.