للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنزال الربّ تبارك وتعالى الكتاب وإرساله الرسول للإنذار مظهر من مظاهر الرحمة الإلهيّة، إذ لولا رحمته بعباده لما أنذرهم وتركهم للعذاب، ولذا قال في سياق هذه الآيات: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فلله الحمد، وله المنة.

والآن وفاء بما وعدنا من الحديث على الشهور الثلاثة والليالي الثلاث نقول: إن شهر رجب من الأشهر الحرم بل هو أعظمها ويقال له رجب مضر لما كانت قبيلة مضر تعظمه وترجّبه وتحترمه، فلا تحل القتال فيه أبدأ، ويقال له رجب الأصبّ؛ لاعتقاد أن الخير يصب فيه صباً، ويقال له رجب الأصمّ لعدم سماع قعقعة السلاح فيه احتراماً له وتعظيماً، وفي الحديث الصحيح: "رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".

وكان المشركون يذبحون فيه ذبيحة يسمونها العتيرة، فجاء الإسلام فأبطلها، لأنها من عادات الجاهلية وأعرافها. ففي الحديث: "هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تُسمونها الرجبيّة".

وبهذا ثبت أن رجباً كان معظماً في الجاهلية والإسلام، ووجب على كل مسلم أن يعظمه وذلك بالإكثار فيه من الطاعات وفعل الخيرات، فالصوم فيه ذو أجر عظيم، ولكن يصام فيه ويفطر، لا أن يصام كله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكمل صيام شهر قط إلا رمضان. ومن مظاهر تعظيم رجب بتعظيم الإسلام له أن لا يعصى فيه الله تبارك وتعالى بترك فرائضه، أو بارتكاب مناهيه. فالذي يعجز فيه عن الإكثار من الطاعات والمنافسة في الخيرات كإطعام الطعام، والصلاة والناس نيام، فليكفّ عن معصية الله والرسول فيه، فذلك من تعظيم رجب وفيه خير كبير.

وزاد رجباً شرفاً وفضلا قيل: إن ليلة الإسراء والمعراج كانت به وهي ليلة الخامس والعشرين منه إن صح الخبر.