ويجاب على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم استنكر على الرجل وقال له:"يا فلان، أجعلت صلاتك التي صليت معنا، أو التي صليت وحدك".
وكان المقام يقضي أن يبين له بأنه إذا صلى بعيداً عن الناس فلا حرج في ذلك ولكنه اكتفى بالإنكار، وإنكاره يشمل من صلى مخالطاً بالناس ومن صلى بعيداً عن الناس.
ثم لفظ الحديث يرد على هذا التأويل أَيضاًَ، لأن الرجل صلى ركعتين خلف الناس، ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، فلو كان صلى مخالطاً بالصف ما كان يقال له: ثم دخل.
ولفظ حديث مسلم أصرح من هذا وهو "دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا فلان بأي الصلاتين اعتددت أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا"".
وهذا الحديث يبطل جميع التأويلات التي قال بها الحنفية وذكرها الإمام الطحاوي ومن بعدهم.
الثالثة: قال الشيخ الطحاوي: وأما من طريق النظر فإن الذين ذهبوا إلى أَنه يدخل في الفريضة ويدع الركعتين، فإنهم قالوا: تشاغله بالفريضة أولى من تشاغله بالتطوع وأفضل..
فكان من الحجة عليهم في ذلك أنه قد أجمعوا أنه لو كان في منزله، فعلم دخول الإمام في صلاة الفجر أنه ينبغي له أن يركع ركعتي الفجر ما لم يخف فوت صلاة الإمام.
فإن خاف فوت صلاة الإمام لم يصلهما لأنه أمر أن يجعلهما قبل الصلاة. انتهى.
ويجاب على هذا بأنه حجة على من يقول بأداء ركعتي الفجر عند الإقامة في البيت وهم المالكية.
وأما الذين يكرهون أداءهما وقت الإقامة فلم يفرقوا بين أدائهما في المنزل، وغير المنزل، بل كرهوا مطلقاً لأن الزمان زمان الفريضة فكيف يصرفه أحد في غير الفريضة ومهما بلغ تأكيد ركعتي الفجر فإنهما لن يفضلا على صلاة الفرض.