أولا- مسلك المتكلمين: يذهب جمهور المتكلمين [١٥] إلى إثبات وجود الله تعالى، عن طريق حدوث العالم، ذلك أن الحدوث عندهم هو العلة المحوجة إلى المؤثر، فإذا ثبت أن العالم حادث فلا بد له من محدث، يبرزه من حيز العدم إلى حيز الوجود، وهذه قضية بدهية عندهم، فمن رأى بيتاً مبنياً منسقاً علم أنْ له بانياً ضرورة، إلا أن بعض مشايخ المعتزلة يرون أن هذه القضية استدلالية، وليست بدهية [١٦] والواقع خلاف ما قالوا.
ولا شك أن القرآن الكريم، قد أشار في مسلك إثبات وجود الله تعالى إلى مسلك حدوث العالم أيضاً بالإِضافة إلى المسالك الأخرى التي أرشد إليها، ولكن الفرق بين المسلكين، مسلك المتكلمين، ومسلك القرآن هو في الطريق إلى معرفة كيفية إثبات هذا الحدوث. فبينما نجد القرآن الكريم يسلك بالمخاطبين سبيل الحس والمشاهدة، لإِدراك حدوث العالم، عن طريق حدوث أعيان الأشياء وتغييرها، كحدوث السحاب المسخر بين السماء والأرض، وكإنزال الماء من السماء، وإحياء الأرض بالنبات، {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} وكخلق السماء والأرض، والإبل، والإنسان نفسه، كما في هذه الآيات. التي يقول الله تعالى فيها:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} البقرة آية ١٦٤.