للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد جعل الله تعالى هذه الأعيان الحادثة، التي يدركها الإنسان إدراكاً مباشرا آيات ودلائل على وجود خالق ومحدث لها، حيث يقول جل شأنه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} كما أنها أشارت إلى حدوث الأعراض أيضا، فالرياح أعيان، وتصريفها وحركتها أعراض [١٧] لها، وكلاهما يدرك بالحس.

وقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية آية ١٧.

وقوله: {فَلْيَنْظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِق، َ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} الطارق آية ٥_٦.

وقوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} الطور آية ٣٥.

فهذه المذكورات في هذه الآيات أَعيان حدثت بعد أن لم تكن، فدل وجودها بعد عدمها على أن لها موجداً، إذ لو كانت واجبة الوجود بنفسها لامتنع عليها العدم، هكذا يثبت القرآن الكريم حدوث العالم، ويبين تغيره المستمر، الذي لا يختص بمعرفته شخص دون آخر، إلى غير ذلك من الآيات التي تخاطب الناس بما يشاهدونه ويلمسونه في حياتهم اليومية، بل وفي أنفسهم.

ولهذا يقول أبو الحسن الأشعري: "إن الإنسان إذا فكر في خلقه من أي شيء ابتدأ، وكيف دار في أطوار الخلقة طوراً بعد طور، حتى وصل إلى كمال الخلقة، وعرف يقيناً أنه بذاته لم يكن ليدبر خلقته، وينقله من درجة إلى درجة، ويرقيه من نقص إلى كمال، علم بالضرورة، أن له صانعاَ قادراً عالماً مريداً، إذ لا يتصور حدوث هذه الأفعال المحكمة من طبع، لظهور آثار الاختيار في الفطرة، وتبين آثار الإحكام والإتقان في الخلقة، فله تعالى صفات دلت أفعاله عليها لا يمكن جحدها" [١٨] .

ويؤكد ابن تيمية أن أَحسن استدلال وأوضحه على وجود الله تعالى، هو الاستدلال بخلق الإنسان نفسه، كما كرره القرآن، إذ هو الدليل وهو المستدل {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} الذاريات آية ٢١. ثم بما يحدثه الله في هذا العالم من آثار [١٩] .