هذه أمثلة توضح أن السلف الصالح رضوان الله عليهم حققوا المبادئ الإسلامية في تفكيرهم، وأحسنوا تنفيذها في معاملتهم. ورجعوا إليها إذا انحرفوا عنها تحت تأثير شهوة، لإيمانهم العميق بتلك التعاليم التي اعتنقوها مبدأ وسلوكا.
ولما بدأ التفاعل بين المسلمين ودينهم يضعف. أخذ الإسلام يتحول في نفوس أهله من حياة قوية متوثبة إلى تقاليد وشكليات. فكان أن دب الضعف في الصف الإسلامي، ولعب الاستعمار دوره فصرفهم عن دينهم. وقتل فيهم حيويته وقوة تعاليمه. فتفتتوا بعد توحد، وتمزقوا بعد تجمع، وقل الوازع الديني الذي بجمع الكلمة ويوحد الصف.
وهكذا دار الفلك دورته. وعاد الإسلام غريبا كما بدأ. وهذه الغربة نعيشها اليوم في عصر العلم وغزو الفضاء، فمع التفوق العلمي في جميع ميادين الحياة. نشاهد طغيان المادة على القيم والمبادئ. ونلمس أن الغرائز أضلت عقول الناس لبعدهم عن غذاء النفس وتقويتها، فكان التصدع بين الأفراد والجماعات، وبين الدول والشعوب نتيجة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وتعدي الجماعة على الجماعة، وحرب الدولة للدولة.
في هذا الجو المكفهر المشحون بالمخالفات يتحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا من رواية لمسلم:"بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس".