فأين موضوع الأسلحة هنا وأين الحجة التي تجعل عبد المطلب يطلب مساعدات حربية من أبرهة. وإذا كان المستشرق قد افترض افتراضات على ضوء أحداث معينة فإن الافتراض لم يكن صحيحا وبالتالي فقد جاءت نتيجته أيضا غير صحيحة، ثم يأتي بافتراض آخر ليثير جدلاً لا يستوي ومكانة الصحابة رضوان الله عليهم بأي حال من الأحوال، ولكنه لا يتورع عن ذلك ليصل إلى القول بأنه قد حدث انقسام قوي في الرأي بين الجماعة الإسلامية الناشئة [١٣] . في حين تتفق جميع المصادر الإسلامية بأن هذه الجماعة الإسلامية في طور الدعوة السرية في مكة المكرمة وبعد أَن صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بما أمره الله، قد كونوا جماعة إسلامية متجانسة منسجمة فيما بينها تؤمن بالله وبرسوله وتتسلح بقيم أخلاقية وسلوكية ربطت بينها رابطة الأخوة الصادقة، فقضت على كل نعرة للعصبية أو الخلافات الشخصية أو العرقية، وأصبحت العقيدة الإسلامية هي الرابطة بين هذه الجماعة، فلم يكن هناك مجال للخلاف أو الانشقاق. ولو كان من دوافع الهجرة إلى الحبشة أي خلاف مثل هذا الذي دسه المستشرق لما أقلقت تلك الهجرة قريشا ولما جعلها تهتم هذا الاهتمام الشديد بأمر الذين هاجروا وتسعى في طلبهم من النجاشي وبالتخلي عن حمايتهم وعودتهم إلى مكة مرة أخرى. ولكن أسماء المهاجرين تشير إلى اتساع دائرة الإسلام وكسبه لعناصر من شتى بطون قريش فقد هاجروا من بني هاشم وبني أمية وبني أسد وبني عبد شمس وبني نوفل وبني عبد الدار وبني قصي وبني زهرة وبني هذيل وبني تميم وبني مخزوم وغيرهم [١٤] . فأصبح هناك تنوع كبير في أصول الذين اعتنقوا الإسلام وبالتالي أصبحت للدعوة الإسلامية صفة الشمول في مكة رغم قلة أعضائها ولم يعد هناك مجال للخلاف بسبب العصبية والقبلية أو النسب أو الجاه أو المال.