وقال الحافظ الزملكاني، قد أعطي ابن تيمية اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين، وقد ألاَنَ الله تعالى له العلوم كما ألاَنَ لداود الحديد، كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله. وقال:
وصفاته جلت عن الحصر
ماذا يقول الواصفون له
هو بيننا أعجوبة الدهر
هو حجة لله قاهرة
أنوارها أربت عن الفجر
هو آية في الخلق ظاهرة
هذه بعض شهادات العلماء لابن تيمية وغيرها كثير. وهي شهادات حق وصدق ليس فيها مجازفة ولا مواربة أبدا، فإن الرجل أجل مما وصف به، وأعظم قدرا مما قيل فيه.
زهده رحمه الله:
إن الزهد وهو الرغبة عن المال والجاه وسائر أعراض الدنيا لتفاهتها وحقارتها وقلة قطرها. صفة كمال في الرجال وشيخ الإسلام ابن تيمية كان أَكمل أهل عصره في هذا الوصف وصف الزهد، لأنه كان أعرف الناس بفضل الزهد، وشرف أهله ولولا زهده لما نال ما نال من العلم والتقى والبصيرة في دين الله والهدى. وحسبنا تدليلاً على زهده أن نذكر الروايتين التاليتين:
الأولى: قال ابن فضل الله العمري كان يجيء ابن تيمية من المال في كل سنة ما لا يكاد يحصى، فينفقه جميعه آلافا ومآت، لا يلمس منه درهما بيده، ولا- ينفق آخر في حاجته، وكان إذا لم يجد ما ينفقه على من يسأله يعمد إلى شيء من لباسه فيدفعه إليه. قال وهذا مشهور عند الناس من حاله.
والثانية: قال أحدهم: كنت يوما جالسا بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية فجاءه إنسان فسلم عليه فرآه الشيخ محتاجا إلى ما يقيم به، فنزع الشيخ عمامته ومن غير أن يسأله الرجل وقسمها نصفين فاعتم بنصفها، وأعطى الرجل المحتاج نصفها الآخر فاعتم به.