إن الحلم خلق فاضل، وكمال نفسي قل من يظفر به، والعلماء كثيرون ولكن أهل الحلم فيهم قليل.
إذ الحلم: ضبط النفس عند الغضب، أو هو عدم الغضب. والغضب فطري، ولكن الحلم كسبي ومن لا يغضب لا يحلم. وأكثر مظاهر الحلم عند اشتداد سورة الغضب وحب الانتقام ممن اعتدى وظلم. فمن أوذي وقدر على أذية من آذاه ولم يفعل فقد حلم وعفا وغفر في القرآن الكريم (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) .
ومن هنا كان عظماء الرجال وخاصة دعاة الحق والخير من أعلم الناس وأكثرهم صفحا وعفوا ولقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية المثل في باب الحلم، فإنه على كثرة من آذاه وعاداه لم يثبت أنه انتقم يوما من أحد منهم حتى ولو مكن منهم ... وهذا غاية الحلم ونهايته أنه لما نقل ابن تيمية إلى الديار المصرية وسجن بالجب بقلعة الجبل سنة ونصفا، ولما أفرج عنه واجتمع بالسلطان في حفل كبير ضم القضاة والأمراء وأعيان البلاد، وأكرم الشيخ إكراما عظيما، وشاوره السلطان في قتل بعض أعدائه وخصومه فامتنع الشيخ من ذلك، ولم يقبل أن يقتل أحد بسببه، وجعل كل من آذاه في حل من أمره. وهكذا تتجلى في أحمد صفة الحلم التي هي عنصر من أقوى عناصر الكمال في الدعاة الصالحين، وبذا كان ابن تيمية نموذجا صالحا في حياة الدعوة ودنيا الدعاة.