إن شجاعة أحمد بن تيمية بنوعيها العقلية والقلبية كانت نادرة في الرجال وقد أصبح بها والحق يقال أسوة صالحة للمؤمنين، وليس أدل على شجاعته القلبية والعقلية معا من تلك الوقفة الجبارة التي وقفها في وجه جيوش التتار، وما أقام به من حشد القوات وجمع الطاقات لقتالهم، وهو العالم الزاهد الرباني فقد جعل الله تبارك وتعالى طرد تلك القوة الفاتكة العاتية التي دمرت وخربت وعاثت في ديار الإسلام فسادا، على يديه وبسبب ما قام به. وقد كانت له مواقف مع بعض ملوك التتار نادرة في الشجاعة والتضحية والفداء.
فقد روي أن ملك الكرج أراد أن يفتك بأهالي دمشق فيسبي نساءهم وذراريهم ويغنم أموالهم فبذل مالاً كثيرا للسلطان غازان المغولي الذي كان قد أسلم أول من أسلم من ملوك المغول، بذل له أموالاً طائلة ليخلي بينه وبين سكان دمشق. وبلغ الخبر شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية فقام من فوره، وانتدب رجالا من وجوه البلاد وكبرائهم، من ذوي النهى والعقول الراجحة. ولما وصلوا إلى السلطان المغولي أخذ الشيخ يحدثه بقول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في العدل وغيره، ويرفع صوته على السلطان ويقرب منه في أثناء حديثه حتى كاد يلصق ركبته بركبتي السلطان، والسلطان مع ذلك مقبل عليه، مصغ لما يقول، شاخص ببصره إليه لا يعرض عنه، وذلك مما أوقع الله تعالى في نفسه من المحبة والهيبة للشيخ حتى سأل قائلا من هذا الشيخ؟ فإني لم أر مثله، ولم أر من هو أوقع منه حديثا في نفسي ولا رأيتني أعظم انقيادا لأحد منه! وقال الشيخ للترجمان قل للسلطان أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا فغزوتنا، وأبوك وجدك كانا كافرين وعملا الذي عملت: عاهد قومنا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت وَجُرْت. فبذل الشيخ نفسه في طلب حقن دماء المسلمين فبلغه الله ذلك، فكان سببا، وكان رحمه الله تعالى يقول: لن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه.