ومن مظاهر شجاعته أيضا أن أحدا من المسلمين شكا إليه ما فعل به أحد السلاطين وكان هذا السلطان ذا جبروت، ظلم واعتدى وأخذ أموال الناس، فذهب إليه الشيخ ولما دخل عليه قال له السلطان في تهكم وازدراء، إني كنت أريد أن آتي إليك، لأنك عالم زاهد، فأجابه الشيخ قائلا، موسى كان خيرا مني، وفرعون كان شرا منك وكان موسى يجيء إلى باب فرعون كل يوم ثلاث مرات، ويعرض عليه الإيمان.
ومن مظاهر شجاعته أيضا أن وشى به أحد خصومه المبطلين إلى الملك الناصر لدين الله فأحضره السلطان ووجه إليه تهمة الخيانة فقال له: بلغني أنك قد أطاعك الناس وأن في نفسك أخذ الملك، فلم يكترث أحمد بالتهمة الباطلة وقال في هدوء ورباطة جأش وثبات قلب وبصوت عال: أنا أفعل ذلك؟ والله أن ملكك لا يساوي عندي فلسا واحدا، فتبسم السلطان من ذلك وقال: والله إنك صادق، وأن الذي وشى بك لكاذب وهذا من جراء ما ألقى الله تعالى في قلبه من الهيبة العظيمة والمحبة الدينية، ولولا ذلك لكان يفتك به.
هذا عن شجاعة ابن تيمية رحمه الله تعالى.
أما عن صبره فحدث ولا حرج، وحسبنا أن نعرف أن حياته كلها قضاها في جهاد متواصل بالسيف واللسان والقلم فما كلَّ ولا ملَّ، ولا ترك دعوة الإصلاح في كل حياة المسلمين حتى توفاه الله تعالى في قلعة دمشق.
وماذا نقول عن صبر ابن تيمية وهو القائل: ماذا يبغي الأعداء منى! أو ما يصنع أَعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني. أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة وكان يقول: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه والمأسور من أسره هواه.