وبهذه تبين أن الشيخ الداعية الكبير ما أطلق عليه لقب شيخ الإسلام إلا لكمال علمه، وما حققه به من هداية لخلق لا يحصون عدا، ولا يعدون كثرة ولا يخطئ المرء إن قال إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وإن كان تلميذا للإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم في علومه، وأفكاره، ومقومات دعوته، وأسباب جهاده، فإنه قد كان له الفضل الكبير في مد دعوة الإصلاح التي قام بها الإمامان المذكوران آنفاً بعد أن انكمشت، وكادت تذوى وتموت، فبعث الله الشيخ فجدد حياتها وأمدها بروح قوية ودفعها بحركة اطرد بها سيرها، حتى بلغت ما بلغ الليل والنهار في هذه الأيام. وهذا عائد إلى ما وهب الشيخ من صدق نية وصفاء طوية، وإخلاص لله تعالى في السر والعلانية.
دعوته الإصلاحية:
بدأَ الشيخ دعوته الإصلاحية التي أَطلق عليها المغرضون من ذوي النيات السيئة (المذهب الوهابي) بدأَها رحمه الله تعالى بقرية الحريملا حيث انتقل إليها والده الشيخ عبد الوهاب من العيينة وكانت حالة البلاد النجدية العقائدية من أسوأ البلاد حالا، إذ كان بها بعض القبور المنسوبة إلى بعض الصحابة رضي الله عنهم يحج إليها، ويطلب منها حجاجها وزائروها قضاء الحاجات، ويستغيثون بها عند الشدائد، وإلمام الملمات. ومن بين تلك القبور قبر زيد بن الخطاب. ولم يقف أمر أهل الجهل والباطل على عبادة القبور فحسب بل استغاثوا بالأشجار والأحجار، فقد كان أهل المنفوحة يتوسلون بفحل نخل، ومن ذلك قول العانس من النساء: يا فحل الفحول أريد زوجا قبل الحول.
وما أن أَعلم أهل بلاده بضلالهم، وأنكره عليهم حتى قام الناس رجالاً ونساء ينكرون على الشيخ ويناصبونه العداء لطول ما ألقوا من الباطل وما اعتادوا من الضلال ومع هذا فقد اهتدى أناس على يد الشيخ وأصبحوا أنصاراً وأعوانا.