إن الإشارة إلى تعدد الألسنة لها أهمية من وجهة نظر لسانية، لأنها تنفي فكرة الأصل الواحد للغة والوارد في الإنجيل. ونعني بالأصل الواحد اعتبار الإنجيل أن الله لم يخلق إلا لغة واحدة، وأنه سبحانه جعلها كمجموعة من الكلمات التي هي مسميات للأشياء، أو كأنما هي جدول رصفت في داخله المفردات. ويدلك على هذا ما ورد في الإنجيل:
"لقد سمى الله النور نهاراً والظلمات ليلاً ". (GENESE ٥)
"لقد سمى الله الفضاء سماء واليابسة أرضاً، وسمى مجامع المياه بحاراً " (GENESE ٨) [٣]
- لغة الحيوان.
وأما عن لغة الحيوان فإن القرآن يشير إليها في آيات كثيرة، ونكتفي هنا بالآية:
{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم}(النمل: من الآية١٨) .
بالطبع لا يفصح القرآن عن الطريقة التي عبرت بها النملة، ولكن الدارسين لحياتها يعلمون أن لها نظاماً من الإشارات تستخدمه كأداة للاتصال.
ومن يقرأ القرآن يجد أن الله قد ركز على اعتبار رسالة الأنبياء تذكرة، وفي هذا دلالة على اعتبار اللغة أداة توصيل واتصال:
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}(سورة ق: من الآية٤٥) .
هذه الآيات وغيرها كثير تبين هذا المعنى، أي تعتبر اللغة أداة اتصال بين البشر. وقد نزداد عجباً إذا علمنا أن الإسلام يذهب إلى نفي اللغة المقدسة كلية إذ لا يوجب على الناس اختيار لغة معينة للتوجه إلى الله، بل لا يوجب عليهم الكلام في ذلك أصلاً. وإن قراءة القرآن في الصلاة بلغة عربية لا يغير من هذا شيئاً، الأمر الذي يجعلنا نستيقن أن القرآن يعتبر اللغات على حد سواء، وأن استعمال اللغة إنما هو من طبيعة الإنسان.