أخيراً نستطيع القول أن الذين نقلوا التراث -بصورة عامة- والذين علقوا عليه أو ألفوا وكتبوا على غراره لم يكونوا على مستوى الشروط الحضارية، أي لم يكونوا عقليا وذهنيا مشبَّعين بها- هناك استثناءات قليلة- ولذا فإنهم لم يستطيعوا أن يثيروا بالتراث ما كان يثيره في بيئته الطبيعية. وهذا ما قصدنا عندما عزونا إليهم الإخفاق النسبي.
- اتجاه نحو الغرب:
إلى جانب الاتجاه الأول، نجد اتجاها ثانيا يكاد يكون معزولاً عنه. فهو لا يؤمن بالتراث ولا يعيره أي اهتمام إنه اتجاه نحو الغرب. ومن العجيب الغريب في هذا الاتجاه هو ما يضفيه عليه أصحابه من صفة العلمية دون أن يكلفوا أنفسهم أي جهد علمي للتحقق من ذلك أو النظر إلى التراث قبل رفضه.
إذا أنعمنا النظر في هذا الاتجاه، فإننا سنقف فيه على حركتين تسيران معا بآن واحد، وفي نفس الاتجاه:
أ- أما الحركة الأولى فتعنى بترجمة ونقل المؤلفات الغربية إلى العربية.
ب- وأما الحركة الثانية، فتستلهم من المؤلفات الغربية وتحاول أن تزرع المفاهيم المستوردة في حقل الذهنية العربية.
إن النقد الذي وجهناه للاتجاه الأول يصلح، في بعض نواحيه، أن يكون موجها للاتجاه الثاني. وإذا كان الاتجاه الأول قد أخفق نسبيا كما بينا، فإن الاتجاه الثاني لم يحقق في مقابل ذلك، نجاحا يذكر. ومع ذلك، نريد أن نبين ما حققه من خلال نقطتين:
أ- لقد مكن هذا الاتجاه الباحث العربي من الإطلاع على ما يجري في الغرب، وكشف له عن التقدم العلمي الهائل الذي تم إحرازه. وهذا الأمر إيجابي في ظاهره، سلبي في حقيقته وجوهره كما سنرى.
٢- لقد أدى تضاعف هذا النشاط إلى "تغريب"في الحياة العقلية لبعض البحاث العرب وبعض المثقفين، فنتج عن ذلك انفصال بين ذهنية هؤلاء والمجتمع الذي يعيشون فيه.