والمعنى في تيسير الكريم الرحمن أنه كتاب جامع لأوصاف الكمال، (عزيز) أي منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء، ولهذا قال تعالى:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أي لا يقربه شيطانٌ من شياطين الإنس والجن لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا بنقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل مَنْ أنزله بحفظه كما قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وهو {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ} في خلقه وأمره، يضع كل شيء في موضعه وينزله منازله، (حميد) على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والأفضال، لهذا كان كتاباً مشتملاً على تمام الحكمة وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار التي يحمد عليها (المحمود) عز وجل [٨] .
* أقول: ويظهر لي من اقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (الحكيم) أن الله جل وعلا- ومن صفاته الحكمة على وجه مطلق - قد وضع كل شيء في وضعه المناسب، فأنزل الكتاب الحق المهيمن على الكتب السابقة على خير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله وأفضلهم، وصاحب الدين الحق المهيمن على سائر الأديان السابقة. وقد حفظ الله عز وجل هذا الكتاب بهيمنته على مدى الزمن، لأنه لا كتاب بعده، وضمَّنه الحق والهدف الذي إن تمسك به الناس فلن يضلوا أبداً، فضلاً عن أنه سبحانه خلق كل شيء على الوجه المناسب له، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى- وهذه كلها أفعال تتم بحكمة الحكيم سبحانه، وكلها تستأهل أن يحمد عز وجل عليها الحمد كله.
. كذلك اقترن اسم (الحميد) سبحانه باسم (الولي) في القرآن الكريم مرة واحدة [٩] . في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}(الشورى آية ٢٨) .